إبراهيم يونس – موسكو
روسيا بلد العراقة والحضارة والتقاليد المتميز بأعيادها التي تجمع الأديان والأخوة بطابع مميز يتسم بالفكاهة والمرح والاحتفالات.. ومن هذه الأعياد عيد الـ “ماسلينيتسا” الذي تعود جذوره إلى عصر السلافية الشرقية القديمة والذي يعتبر الأقدم في تلك الحقبة وفقا للأدلّة الأثرية العائدة للقرن الثاني قبل الميلاد، ويشتق لفظ الماسلينيتسا من كلمة ماسلو “الزيت أو الزبدة” الروسية، وله عدة أسماء منها أسبوع المرافع، ويوم المغفرة او العفو.
في الأساطير السلافية، تعدّ ماسلينتسا مهرجان للشمس المجسد بالإله فولوس، و تعرف أيضا في مصطلحات التراث الشعبي الفلكلوري “بوقت العتبة” أي الوقت الذي تتحطم فيه كل القوانين الطبيعيّة والمجتمعيّة .
وفي المسيحية يحتفل بالعيد في الأسبوع الاخير قبل بدء الصوم الكبير، أي في الأسبوع الثامن قبل يوم الفصح الأرثوذكسي الشرقي ويشبه أسبوع الآلام في الدين المسيحي أعياد تودّيع الشتاء التي احتفل بها السقالبة الشرقيون القدامى، الذين عاشوا في أراضي الجزء الأوروبي من روسيا قبل اعتناقهم الدين المسيحي.
في هذا العيد يودّع الروس فصل الشتاء ببرده القارس المتسم بالكآبة والقسوة والسّبات والسماء الملبّدة بالغيوم ويستقبلون فصل الربيع بطابع من البهجة والاحتفال ليمنح الحياة والعفو لكل روسيا ويزيل عنها برد الشتاء الطويل الذي أنهاه قدوم الربيع والدفء ويتوافد المحتفلون إلى الساحات والمرافق العامة ويؤدن الرقصات والأغاني الشعبية وأنشطة أخرى موزعة على أيام الأسبوع وسط أجواء من المرح والسرور.
وأهم ما يميز الماسلينيتسا هو فطائر الـ”بليني” والتي تعتبر الرمز الرئيس للعيد، وهي فطائر رقيقة من العجين مستديرة ذهبية مثل شمس الربيع، مغطاة بالزبدة او الـ”ماسلو” بالروسية، وتتفن النساء في إعداد حشواتها اللذيذة حلوة كانت أم مالحة.
ويعود استخدام المحتفلين البليني كوجبة أساسية في هذا الاسبوع ، إلى التقاليد القديمة أحدها ترمز للشمس المجسدة بالإله القوي فولوس ، والثانية جاءت من السلافية الشرقية القديمة الموروثة من عبادة الأسلاف التي تؤمن بأنّ عالم الأحياء وعالم الأموات يقتربان من بعضها البعض في فصل الربيع، لذلك يقدّم المحتفلون البليني كقربان لأجدادهم الموتى، الذين يعتقدون بأنهم يزورنهم في هذا الوقت.
أما عند المسيحيين الأرثوذكس فإن أسبوع المرافع يمثل فرصة أخيرة للمشاركة في أنشطتهم الاجتماعية التي لا تتناسب مع الصيام الكبير الذي يستثني الحفلات والموسيقى والرقص والابتعاد عن الحياة الروحية التي ترافق فترة الصيام، و أيضا احتفالات هذا العيد تتوافق مع تقاليد عدم تناول اللحوم.
دمية القش العملاقة “كوستروما” تلعب الدور الرئيس في ختام الاحتفالات التقليدية.. إذ توضع وسط ساحة كبيرة ويقوم المحتفلون بالرقص حولها ثم إضرام النار فيها ليرحل الشتاء مع دخان احتراقها.. فيبدأ الشبان في القفز فوق الشعلة مستعرضين لياقتهم البدنية ومعلنين بذلك انتهاء العيد ..
أجواء من الفرح تملؤها ضحكات الكبار والصغار حيث تضيع العِبارات مع مراسم الاحتفال، فيتوحد الحال في انسجام مطلق بين توحّد تقاليد السلافية الشرقية القديمة و تقاليد المسيحية الأرثوذكسية، بين قسوة البرد والشتاء وبهجة استقبال دفء فصل الربيع، لتبدأ معه أيام مليئة بالتجديد والأمل والمغفرة.